ملخص الدراسة:

المقدمة:يتناول موضوع البحث الفكر السياسي عند دولة الموحدين في عصر عبد المؤمن بن علي (540-558هـ/1146- 1136م)، وليس من شك أن دولة الموحدين لعبت دورا في البيئة الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية قرابة قرن ونصف في التاريخ الاسلامي بعامة وفي تاريخ المغرب والاندلس بخاصة، فقد نشرت على يد مؤسسها المهدي وتلميذه عبد المؤمن الثقافة الاسلامية المتحررة من القيود السلفية التي كانت تحكم الفكر المرابطي، ووفرت مناهج منفتحة استمدت من أبي حامد الغزالي في الألف حرية ، بيد أن هذا الانفتاح اشتمل منظومة ميادين الحياة فاتسعت أفاقها واتت ثمارها غزيرة وجديدة.ومن هنا تتأتى أهمية البحث إذ هي محاولة متواضعة لجلو ما قدمه عبد المؤمن بن علي راعي الدولة الموحدية من جهد حثيث وأفكار خصبة أثبتت شخصية متألقة في إدارة الحياة السياسية في الداخل والخارج سيما أنه استطاع ان يوظف البيئة الدينية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في خدمة المنحى السياسي، ولعله أدخل لعبة السياسة في مناحي الحياة الأخرى فغلفها بهالتها ليبني صرحا حضاريا مترامي الأبعاد ومتكامل الاتجاهات.وقد اقتضت نافلة البحث الى تمهيد يقدم نظرة موجزة عن عصر عبد المؤمن، تلتها عنوانات : عرف أولها بحياته الاجتماعية من اسم ونسب وتربية وأبناء ، وثانيها تناول اللقاء بين المهدي بن تومرت وعبد المؤمن وما اختلجته من ممهدات وحيثيات ونتائج، وثالثها عني ببيعة المهدي وانتشار بذرة الموحدين، ورابعها عرض بيعة عبد المؤمن بن علي وما نقلت عنها من ارهاصات، وخامسها عرَّج على الصراع بين المرابطين والموحدين حتى نهاية المرابطين، وسادسها أوجز في فتوح عبد المؤمن في افريقيا والاندلس ونشر سلطته على القبائل العربية، وسابعها بحث اسلوب تولية ابنائه على الولايات واختيار ولي العهد، وثامنها تداول منهج عبد المؤمن في التطلع الى الابعاد الحضارية من ادارة الدولة والجيش والتربية والسياسية والعسكرية والبناء والاعمار وتوظيف الثقافة والعلوم .حري بالبحث ان يعتمد مصادر أصيلة منها التاريخية نحو: كتاب (أخبار المهدي بن تومرت وابتداء الدولة الموحدية) للبيذق أبو بكر بن علي الصنهاجي، الذي يعد من أهم المصادر في تاريخ الموحدين من حيث القدم والمعاصرة، إذ كان البيذق صديقا لابن تومرت مصاحبا له ولعبد المؤمن يكتب مشاهداته اليومية ، ولا شك ان البحث أفاد كثيرا منه ولاسيما في معرض توارد الأخبار المختلفة عن الحدث الواحد في هذه الحقبة، وكتاب ( الاحاطة في أخبار غرناطة) لابن الخطيب لسان الدين محمد بن عبد الله ت776هـ/1364م الذي يعد آخر الكتاب العظام الذين أنجبتهم الاندلس، ولم يتوقف عند تاريخ الاندلس بل تناول تاريخ المغرب حتى عصر الموحدين على نحو من الاحاطة التي قدمت الفائدة الجلية للبحث، ومن مصادر التاريخ المغربي ذات الأهمية في البحث كتاب تاريخ ابن خلدون ت808هـ، وكتاب نظم الجما ن في أخبار الزمان للناصري، وقد أبصر النور منه قسم تناول احداث المغرب بين 500-533هـ ، وعلى الرغم مما يسجل عليه من ميل للموحدين وتحامل على خصومهم فانه وفر الفائدة للبحث.وتجلت الافادة من تواريخ المشرق نحو الكامل لعلي ابن الاثير ت630هـ الذي كان بين الحين والآخر يعرج على أحداث الاندلس والمغرب ولا سيما عن ما عاصره. ويجدر القول ان كثيرا من المصادر التي اعتمدها البحث واحتواها ثبت المصادر كانت في معرض الاهمية والفائدة، ولا نبخس المتأخرين حقهم في دراساتهم وتحليلهم الاحداث ،أمثال اشباخ في تاريخه وعنان في كتاباته عن الموحدين.وأخيرا لا ادعي ان البحث جاء متكاملا وإن بذلت جهدا ليس باليسير، بقدر ما كنت آملا أن أقدم فائدة تلقى قبولا من لدن المتلقي تنعم به تنمية روح البحث والارتقاء فيه على حياض المعرفة.