ملخص الدراسة:

شهدت بلاد الشام وفلسطين بوجه خاص هجمة شرسة قادها الغرب الأوروبي في العصور الوسطى ضد المسلمين في المنطقة العربية، واتخذوا من الدين شعاراً لهم يخفي أغراضهم الحقيقية المتمثلة بالاستعمار والاستيطان والسيطرة الاقتصادية، فالحركة الصليبية تعد إحدى الظواهر الرئيسة المميزة لتاريخ العصور الوسطى، وقد استمدت أهميتها من أنها استغرقت نحو قرنين من الزمن في بلاد الشام، وأن الجانبين الإسلامي والصليبي، قد تأثرا بها في كافة نواحي الحياة، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وعلى ذلك فان أهمية دراسة هذه الحركة لا تقتصر على الناحية العسكرية فحسب بل هي بالأحرى دراسة للعلاقات بين الشرق والغرب في شتي جوانبها؛ إذ كان الكيان الصليبي صنيعة أوروبية على ارض الشرق، وظل الارتباط وثيقاً بين مملكة بيت المقدس الصليبية، والغرب الأوربي الذي وفر للمشروع الصليبي كل دعم مادي ومعنوي. فالباحث المتأمل لواقع تاريخ الحروب الصليبية يُدرك من فوره أنها ذات طابع دموي تعصبي؛ لذلك ظهر منذ البواكير الأولى للمشروع الصليبي أنه مشروع دموي تتكرر فيه المذابح التي اقترفها الصليبيون ضد أعدائهم خاصة المدنيين، وخلال ذلك تم الفتك بعشرات الآلاف من أعدائهم، وجاء ذلك وسط موجة عارمة من العداء والكراهية، والرغبة الجامحة في القتل لكل من لا يدين بالنصرانية، ولا أدل على ذلك من المذابح التي حدثت على طول الطريق من أنطاكية إلى بيت المقدس، ووصلت إلى ذروتها في المدينة الأخيرة؛ حيث جرت مذبحة مروعة خلال المدة من23شعبان-3رمضان492هـ/ 15-25يوليو 1099م. تم في أعقابها الاستيلاء على المدينة؛ ثم تواصل العدوان الصليبي على فلسطين، وتم احتلال معظم المدن الفلسطينية باستثناء عسقلان التي تم احتلالها في سنة 548هـ/1153م. وعندما استولي الصليبيون على الأراضي المقدسة أسسوا مملكة بيت القدس الصليبية، وقاموا بنقل النظام الإقطاعي الأوروبي إليها؛ فقسمت المملكة إلى أربع إقطاعيات كبري، واثني عشر إقطاعية صغرى، ونفذ الفرنجة الصليبيون عملية بناء المستوطنات من خلال تطبيق النظام الإقطاعي الأوروبي، وليس من شك في أن عملية الاستيطان لم تتم بسهولة، ودون مقاومة من أصحاب البلاد الأصليين الذين قاوموا وتصدوا لعمليات مصادرة أراضيهم لبناء المستوطنات، وكانت النتيجة أن تعرضوا للقمع والتنكيل والتهجير. لقد كانت فلسطين أرضاً حضارية عريقة، شغلت منذ فجر التاريخ أدواراً حضارية مختلفة، والتقت في فلسطين تيارات المد لأفواج الهجرات البشرية في العصور القديمة والوسطى، فتنوعت عناصر السكان فيها، وهذا التنوع في عناصر السكان كان يوازيه تنـوع آخر في دياناتهم ومذاهبهم، وعندما جاء الصليبيون، جاءت معهم عناصر جديدة زادت من تنوع البنية السكانية في فلسطين من جهة؛ كما أدت إلى جعل هذه التركيبة السكانية في حالة من السيولة، وعدم الاستقرار من جهة ثانية إذ أن المذابح الصليبية، والتهجير والاستيطان، وإعادة التوطين فضلاً عن أن تـبادل السيادة على بعض المناطق بين المسلمين، والصليبيين خلال الصراع الطويل أدى إلى عدم استقرار البنية السكانية، واختلال القوى الاجتماعية في بعض المناطق. إن العلاقات بين الطرفين الإسلامي، والصليبي لم تكن دائماً علاقات حرب وصراع؛ فقد تخللها نوع من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وحدث نوع من تبادل المؤثرات التي كان لها انعكاساتها على جماهير الناس، من هنا تأتي أهمية دراسة العلاقات الاجتماعية؛ فظهرت الأبحاث والدراسات التي تناولتها في الشرق والغرب على حد سواء، وعلى الرغم من ذلك، فلا يزال المجال فسيحا أمام الباحثين، ليقدموا أعمالا إضافية حولها، إذ أن جوانب كثيرة من الحركة الصليبية لم تحظَ بالدراسة العميقة المتأنية. ولا شك أن المتأمل في الدراسات التاريخية لفلسطين، وبلاد الشام في عصر الحروب الصليبية؛ يلاحظ أن معظمها انصب على معالجة الجوانب السياسية والعسكرية؛ في حين تم إسدال ستار من الصمت على تاريخ المجتمع في هذه المنطقة، والحاصل أن هذا الموضوع لا تزال تعتريه المحدودية، ولا يزال الغموض والإبهام يلف بعض جوانبه؛ مما يجعله حلقةً من الحلقات المعتمة في تاريخ الحروب الصليبية؛ لذا فإن التاريخ الاجتماعي لهذه الحقبة ما زال في حاجة إلى الدراسة للوقوف على أوضاع المجتمع الإسلامي والصليبي في المناطق التي استولى عليها الفرنجة، فكان ذلك من الأسباب التي دفعت الباحث إلى اختيار موضوع " الأوضاع الاجتماعية في فلسطين فترة الحروب الصليبية" لكي يكون محوراً للدراسة. واعتمد الباحث في تكوين الصورة الاجتماعية لطبيعة المجتمع الفلسطيني في الفترة محل الدراسة على المنهج التاريخي التحليلي القائم على قراءة ما اجتمع للباحث من المصادر الأولية والمراجع؛ بحيث جمعت هذه المعلومات، وصنفت وفق خطة البحث ثم درست وحللت ونقدت، وتم أخذ ما كان مناسباً لسياق الأحداث، وقد اقتبس الباحث ما كان يراه مناسبا لتدعيم الآراء أو ما يمكن أن تقل قيمته بشرحه.

توثيق المرجعي (APA)

الاغا, حسام حلمي يوسف (2007). الأوضاع الاجتماعية في فلسطين زمن الحروب الصليبية (492-690هـ/1099-1291م). الجامعة الإسلامية - غزة. 17619