ملخص الدراسة:

الحمد لله الذي أتمَّ علينا نعمته، ويسَّر لنا شِرعَته، فكانت رحمةً كلُّها، لا يزيغ عنها إلا هالكٌ، أخرجنا بها من الظلمات إلى النور، ومن ضيق الدنيا إلى سَعة الدنيا والآخرة. والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الأطهار، وصحابته الأخيار، وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين... أما بعد: فإنه من المعلوم أن الأسرة هي اللبنة الأهم في بناء المجتمع، وأنها البوابة الرئيسة لصلاح الأمة وقوتها ونهوضها؛ لذلك فقد عُنِيَتِ الشريعة الإسلامية بالأسرة عناية كبيرة، تمثلت في الأحكام التي أحاطتها عند بنائها ابتداء، وشُرِعَتْ للإشعار بغلظ الميثاق، وخطورة المولج، بالإضافة إلى الأحكام التي قُررت لتنظيم ما يكفل دوامها واستمراريتها، وما يترتب على انتهائها من حقوق وواجبات، وأحاطت كل ذلك بسياج من المودة والرحمة والسكينة، يحث جناحيها كليهما على الاستمرار في التحليق في الفضاء الأسري الرحب وفق ما خَطَّ الإسلام من منهاج. وفي سبيل الحفاظ على الأسرة المسلمة؛ فقد حددت الشريعة الإسلامية لكلا الطرفين فيها حقوقاً وواجبات، تتماشى مع الفطرة الجِبِلِّيةِ الكامنة في طبائع الرجل والمرأة، وما شرع لهما من حقوق ليست مطلقةً عن الضوابط، جرياً على سنة الشريعة في كل الحقوق الأخرى، إذْ ليس في الإسلام حقٌّ مطلق، إنما تتناغم جميع الحقوق في منظومة توازن بين حقوق الفرد وحقوق الجماعة، وتضمن تحقيق المقصد الذي أراده الشرع من تقرير الحق، بحيث لا تجتاز تلك الحدود، ولا يسيء صاحبُه في استعماله. وإذا كان الرجل قد أُعطي الحقَّ في قيادة ركبها، والقوامة على أمرها، فما ذلك إلا لما هو مطبوع عليه من التروي، ورجاحة العقل، والقدرة على تحمل الأزمات، والتكفل بالنفقة، وذلك لا يعطيه مطلقاً الحقَّ في التسلط والإساءة؛ إذْ إن قوامة الرجل هي تكليف له بالقيام بمسؤولياته تجاه أسرته أكثر من كونها منحةً تخوله السلطان المطلق، وحَقَّ الطاعة الدائمة، وكلُّ متأمل في الهَدْيِ النبوي، والإرشاد الرباني، يدرك ذلك جيداً، وخير دليل هنا قول إمامنا وقدوتنا المصطفى – عليه الصلاة والسلام – فيما روى ابن عباس – رضي الله عنهما -: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) إنَّ حديثي في هذا البحث يتناول موضوعاً جَدَّ خطير، كثيراً ما تتأثر به الحياة الزوجية بصورة سلبية، وهو يتناول إساءة الزوج لاستعمال حقوقه، فيما اصطلح عليه الفقهاء المعاصرون باسم" التعسف باستعمال الحق "، ويتطرق إلى أهمِّ الأحوال التي يظهر فيها التعسف من قبل الزوج في الحياة الأسرية، مع ما يترتب على ذلك من آثار شرعية، أسألُ الله تعالى التوفيق فيه والسداد، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.

توثيق المرجعي (APA)